بين الكنس والطهو والدموع.. حكايات عن العبودية الحديثة في باكستان
بين الكنس والطهو والدموع.. حكايات عن العبودية الحديثة في باكستان
في أحد أحياء كراتشي الفقيرة، تستيقظ أمينة ذات الثلاثة عشر عامًا كل صباح قبل شروق الشمس، تمسك بالممسحة وتستعد ليوم طويل من العمل في منزل لا يخصها، فمنذ أن كانت في العاشرة من عمرها، اعتادت تنظيف الأرضيات وغسل الصحون وإعداد الطعام إلى جانب والدتها في منزل لعائلة ميسورة، تتركه عند المساء وقد أنهكها التعب.
تقول أمينة بصوت خافت “أكره العمل في هذا البيت، نخرج من حيّنا الفقير في السابعة صباحًا ونعود بعد الثامنة مساء، حتى أيام الأحد التي يُفترض أن نرتاح فيها نجبر أحيانًا على العمل، وهذا غير عادل”، بحسب فرانس برس.
هي ليست حالة فريدة في باكستان، بل واحدة من ملايين القصص المماثلة لمعاناة العمالة المنزلية في بلد يعيش فيه الفقر جنبًا إلى جنب مع الفوارق الاجتماعية الحادة.
أطفال يخدمون بدلاً من أن يحلموا
تشير أرقام منظمة العمل الدولية إلى أن ربع الأسر الباكستانية تعتمد على الأطفال في الخدمة المنزلية، وغالبًا ما تكون العاملات من الفتيات اللواتي تراوح أعمارهن بين العاشرة والرابعة عشرة.
إحدى هؤلاء هي سنيّة، في الثالثة عشرة من عمرها، تكسب نحو خمسة عشر دولارًا في الشهر مقابل مساعدة والدتها في تنظيف منزل عائلة ثرية منعتها من التحدث إلى أطفالهم أو لمس ألعابهم.
تقول الفتاة بخجل "كنت أحلم أن أصبح طبيبة، لكنني أعمل هنا لأننا لا نملك خيارًا آخر".
مبررات واهية ومجتمع متواطئ
حتى بين الطبقات المتعلمة في باكستان، يبرر البعض تشغيل الأطفال، يقول أستاذ جامعي في كراتشي إنه يدرك أن توظيف الأطفال "غير قانوني وغير أخلاقي"، لكنه يراه "عمليًا"، مؤكدًا أن الطفل الذي يعمل لديه "يحصل على مأوى وطعام جيد".
ذلك الطفل، حمزة، في العاشرة من عمره، ترك قريته البعيدة ليعيش في بيت الأستاذ، ينظف ويطهو ويخدم أطفالًا في مثل عمره تقريبًا، لقاء خمسة وثلاثين دولارًا شهريًا تُرسل إلى عائلته الفقيرة.
يقول الأستاذ مترددًا "أشعر بالانزعاج عندما أرى أطفالي يذهبون إلى المدرسة وهو يبقى للتنظيف"، ثم يضيف بواقعية مرة "لكن على الأقل يعيش هنا أفضل من عيشه في قريته".
منظمات الدفاع عن حقوق الطفل، مثل جمعية سبارك، تصف هذه الظاهرة بأنها "عبودية حديثة مقبولة اجتماعيًا"، إذ يخضع الأطفال لإرادة أرباب عملهم الذين يزعمون حمايتهم، في حين يستغلون فقرهم.
مأساة تتكرر ودماء بلا عدالة
ليست كل القصص تنتهي بالعودة إلى البيت، ففي فبراير الماضي، لقيت الفتاة إقرا، البالغة ثلاثة عشر عامًا، حتفها بعد تعرضها للضرب حتى الموت على يد مخدوميها الأثرياء في مدينة روالبندي، بسبب اختفاء قطعة شوكولاتة.
والدها الذي توعد بملاحقة الجناة، عاد وتنازل عن الدعوى تحت ضغط اجتماعي وبسبب عجزه عن تحمل تكاليف التقاضي، يقول بأسى "ضُغط علينا لنسامحهم، ففعلت من دون دية، لم يكن لدي خيار آخر".
يعيش اليوم مع أطفاله الذين توقفوا عن العمل بعد مقتل شقيقتهم، يهمس بصوت مكسور "صحيح أننا نعاني الفقر، لكني لا أستطيع تحمل فكرة أن أفقد طفلًا آخر".
حروق لا تندمل
في حادث آخر هزّ باكستان، اتُهم زوجان في كراتشي بحرق الطفلة زينب البالغة ثلاثة عشر عامًا بمكواة بعد أن أحرقت حجاب مخدومتها عن طريق الخطأ.
والدتها آسيا التي جلست إلى جانب ابنتها المحروقة، تقول “لا أفهم كيف أفرج عن الجناة بكفالة، ألا يرى أحد آثار الحروق في جسدها؟”
تتابع بنبرة مكلومة "لقد دمروا حياتها، ستظل هذه العلامات تذكّرها دائمًا بما فعله الأثرياء الذين يظنون أنهم فوق القانون".
وزير الشؤون الاجتماعية في مقاطعة السند أقرّ بأن العقوبات "غير رادعة بما فيه الكفاية"، موضحًا أن الغرامات المفروضة لا تتجاوز أربعة دولارات في بعض الحالات، ما يجعل تكرار الانتهاكات أمرًا شائعًا.
يُقدّر عدد سكان باكستان بنحو 255 مليون نسمة، ثلثهم دون سن الرابعة عشرة، ويُعدّ تشغيل الأطفال قسراً في الخدمة المنزلية أحد أشكال العبودية الحديثة الأكثر انتشارًا في البلاد، رغم القوانين التي تحظره رسميًا.
تُظهر دراسات محلية أن نحو خمسة ملايين طفل يعملون في ظروف قاسية، غالبًا في البيوت أو الورش الصغيرة أو الحقول الزراعية، بعيدًا عن المدارس والرعاية الصحية.
ورغم الجهود الحكومية والمنظمات الدولية، يظل الفقر واللامساواة وضعف تطبيق القانون عوامل رئيسية تُبقي هؤلاء الأطفال أسرى دورة الاستغلال والعنف، حيث تُباع طفولتهم مقابل البقاء.